لِلحظة، دعك من السؤال عمّا إذا كان نتنياهو سيقدّم إفادة مضادة لإفادة رونين بار أم لا، وفكّر في المواجهة بينهما على أنها "كلمة في مقابل كلمة". بمن ستثق؟ بالكاذب الذي أصبحت الكذبة لديه فناً، أم بالمحترف الذي تُعدّ الأكاذيب أداة عمله؟ من الواضح أنه لا مجال للمقارنة، فنتنياهو موهوب بالفطرة، في حين أن بار تعلّم هذا المجال بطريقة صعبة. لكن ما أهمية ذلك؟ زلزال! ماذا؟ مرة أُخرى؟ مثلما حدث بعد كارثة ميرون؟ مثلما حدث بعد قضية الغواصات؟ كم مرة أُخرى سنسمع أنه "يشكّل خطراً على أمن الدولة؟" المؤيد لنتنياهو لا يعرف أنه في الواقع كهاني.
لا أحد يريد أن يكون كهانياً.
الكهانية هي حركة إرهابية يهودية عنصرية وعنيفة، ومعارِضة للنظام القائم، تؤمن بأنه لا ضرورة لطاعة القانون، وبالفوضى كوسيلة للوصول إلى الحكم وإقامة دولة الشريعة، وليس لديها مشكلة في التضحية بإخوتها من أجل تحقيق أهدافها ("إعادة المخطوفين أمر مهم، لكنه ليس الأهم"). لقد كانت حركة معارضة عبر التاريخ، لكنها لم تكن معارِضة وتدير الحكومة في الوقت نفسه.
نحن نريد أن نكون صهيونيين، ولا مشكلة لدينا في ذلك، فلدينا لغة جديدة ناشطة وفعّالة. في رواية "1984"، يشرح وينستون سميث كيف يتم إنشاء قاموس جديد: "نقوم بتدمير الكلمات... نُقشّر اللغة حتى النواة. فالطبعة الحادية عشرة لن تتضمن كلمة واحدة ستخرج من الاستخدام حتى سنة 2050". حتى سنة 2050، لن تتذكروا أنه كان هناك شيء اسمه "الكهانية"، بل ستعرفون فقط "الصهيونية الدينية".
الكهانية لم تمت، بل تنكّرت فقط. "اليمين المتطرف" في أوروبا استبدل "النازية"، لكنه لم يتخلَّ عن معاداته للسامية. اعتقدنا أننا تخلصنا من الكهانية في سنة1988، ولم نصدق أنها ستعود بإدارة جديدة. فالصهيونية القديمة والكهانية الجديدة توأمان، والفصل العنصري والتفوّق الذي يقترب من العنصرية مشتركان بينهما، والآن، أصبح الترانسفير جزءاً من المشهد أيضاً.
نحن أصبحنا كهانيين من دون أن نعي كهانيتنا. نحن نصمت، ومن يصمت هو شريك. لا يمكننا أن نلوم جميع المستوطنين على تجاهُل عربدة المشاغبين، في حين نصمت نحن عندما يسيطر الكهانيون على الدولة. مَن لم يفعل سوى رفع حاجبيه عندما دخل بن غفير إلى الحكومة، هو شريك.
الكهاني هو مَن يخبئ رأسه الصغير تحت الدرع، ولا يعرف، ولا يسمع، ولا يرى. الكهاني هو من لم يرَ ما يُفعل بالرعاة في الضفة، ولا يعلم أن النساء والأطفال والشيوخ يُقتلون في غزة. مَن لا يحاول إسقاط حُكم نتنياهو، فهو كهاني.
كلّ وزير في الحكومة هو كهاني. كتب كهانا: "على الدولة أن تطهّر وسائل إعلامها من الطابور الخامس، أي اليساريين الذين يسمّمون شبابنا"، وشلومو كَرعي يقوم بالتطهير. كهانا قال: "علينا أن نكثّف المعركة حول الحرم القدسي"، وبن غفير يكثّف المعركة. كهانا قال: "هذه الحكومة لا تتيح للجيش التعامل مع العرب"، وسموتريتش يوافق. نتنياهو، الذي يتحدث عن "الهجرة الطوعية"، والتي تتحول لاحقاً إلى "رؤية ترامب"، هو كهاني ترانسفيري.
"العربي يفهم شيئاً واحداً - القوة"، قال كهانا.
أروني شخصاً واحداً في الحكومة، أو في هيئة الأركان العامة، أو في الكنيست، لا يفكّر بهذه الطريقة. لو تم إجراء استطلاع في أوساط الجمهور اليهودي، لَكشف أنه، في أغلبيته، يفكر بهذه الطريقة. لدينا ظروف مخففة سيدي القاضي، إننا كهانيون من غير قصدنا. وُلدنا على هذا النحو: من وُلد بعد سنة1967، ونشأ في ظل الاحتلال والإساءة إلى العرب، كجزء من الروتين، هو كهاني. الكهانيون هم أيضاً شباب في العشرينيات نشأوا في عهد نتنياهو، ولا يعرفون حكماً غير فاسد.
الكهانيون في كل مكان. المراقبة من الشاباك غير ضرورية. لا حاجة إلى الشاباك لمعرفة أن الكهانيين تسللوا إلى كل مؤسسة رسمية،ولا حاجة إلى التحقيق كي ترى الأورام التي أرسلوها إلى جهاز التعليم. "إذا كان هناك تناقُض بين الديمقراطية والدولة اليهودية، فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم"، قال كهانا، وها هي ذاهبة إلى هناك فعلاً.
تضع ذكرى يوم المحرقة أمام الكهانيين، أي أمامنا جميعاً، معضلة: هل يحق لشعب قُتل أبناؤه وبناته الانتقام بقتل أبناء وبنات شعب آخر؟ وهل يُسمح لعائلات المختطَفين بالشعور بالحزن أيضاً على مقتل أطفالٍ من العرب؟