فِي مَتَاهَةِ اَلِاسْمِ اَلْمَكْتُوبِ

أضيف بتاريخ 10/03/2024
الصديق أبو الحسن


قال لي إنه كلما فتح فاتورة الكوفي شوب التي كتبتْ عليها اسمها بخط طفلة في الروضة يقتفي أثر يدها لعله يفهم ما حدث.

ـ هل أشك في سين زائدة؟ أو في ميم ماكرة أو في أرقام مكرّرة عن قصد؟

ـ هل تكتب اسمها بألف أو بدون، هل تضيف ياء كما يُنطق بالعامية؟ أنت تعرف المهاجرين، ربّما لم تسعفها لغتها لتدرك الفرق.

ـ وربّما تعمدّت أن تدس خطأ أو أكثر لتختبرني، لتعرف مدى حرصي عليها، لتحثني على تعقبها بين خطوطها. لا خيار لي إلا أن أدرس مليون احتمال خطأ مطبعي أو معرفي أو إملائي... احتمالات لا تحصى بعدد هواجسي وشكوكي وآمالي، كلما فحصتُها تعزّز أحدها وتراجع الآخر، فما يلبث الأول أن يتراجع والثاني أن يسيطر وفق أهوائي وأحوالي...

ـ عليك ألا تُغفل الاحتمال الأقوى: أنها "حلقت لك" بنعومة، "باعت لك القرد" وضحكت على من اشتراه، "طنزت عليك" طنزًا مؤزرًا... ألا يجعلها ذلك شرّيرة؟ زير رجال؟ بتاعت شباب؟ واحدة تركض وراء بنطلونات وتميّل سعد الرّجالة؟ ربّما كانت تقصد التسلي بين رحلتين في ذلك المطار الضخم.

ـ لا مستحيل... إنها من تلك الكائنات المطارية التي تقضي معظم وقتها في المطارات متنقلة بين جهات متناقضة، كأن الرحلة ذاتها هي هدفها لا الوصول إلى الوجهة، تمدّد بقاءها في مناطق الترانزيت إلى آخر نداء كأنها في برزخ سعيد بين حياتين، وتطوف في المحطات ببذلة رياضة وصندل سلايد، بأريحية مراهقة في غرفة نومها وحشود الناس أطياف لا تزعجها، تعرف تفاصيل الاستراحات كما تعرف شقتها، تعرف كيف تقضي وقتًا ممتعًا دون دفع دولار واحد، لديها في كل مطار مخبأ للتمدّد وأخذ غفوة نوم، نافورة ماء للشرب بالمجان، من يبيع أفضل قهوة بأرخص سعر، شبكة واي فاي عمومية وأماكن للشحن دون طلب وجبة... ترى أشياء لا أراها.

ـ ربّما لم تكن تقصد أن تؤذيك، بل أن تقضي وقتًا بريئًا، فلمّا تطور الأمر سريعًا بشكل يهدّد بوقوع الطمأنينة المصحوبة بقرينة الألفة المفضية إلى التعلّق المبرّح... سارعت إلى قطع دابر الشرّ وإنقاذ ما لا تطيق العيش بدونه، حريتها الخالصة.

ـ قد تكون رقّت لحالي فنزعت الشوكة بلا دم، وزرعت خطأ ما ينهي جرحًا غائرًا قبل أن يبدأ.

ـ اكتب تدوينة لعلها تقرؤها فتشفق عليك.

ـ احتمال أن تقرأها واحد من مليار، يقتضي أن تفتح حسابًا على فيسبوك وهي تكره السوشال ميديا، وأن تتعلم قراءة العربية وهي لا تكاد ترتب جملتين لولا إصرار أمها (هي التي اختارت لها اسمًا مما تحفظه من شعر عربي وتحاول تزويجها من أبناء أقاربها أما أبوها ففرنسي لا يكترث) ...

ـ ثم أن تطلب صداقتك وهي هربانة منك ومن أمثالك أصلا...

ـ مع ذلك يطيب لي أن أتخيلها تحرص على قراءة صفحتي أول ما تستيقظ كل صباح.

ـ تعرف عنها أشياء أكثر من المتوسط الوطني، يبدو لي لقاء افتراضيًا أوحى به إليك عقلك الباطن كتعويض على الجفاف الذي تعيشه من يوم ما عرفتك.

- وماذا عن الإيميل، هل اخترعت عنوان الإيميل أيضًا؟

-  الإيميل الذي يرتد إلى وجهك كل مرّة، إيميل متردّد هههههه مثل ضباب بوسكورة.

-  شكرًا على دعمك.

-  ثم ماذا ستقول لها في تدوينتك: إن من يجي على الأولياء لن يربح؟ إن سمعة أولاد الناس ليست لعبة؟

ـ سأقول لها: سيأتي يوم تبحثين فيه عني ولن تجديني، وإنني أطالع كورس "افعل هذا مع كل شخص يتهرب منك" وبعد التخرج سأقدم على دورة "سبعة أشياء تجعل حبيبك السّابق يندم"...

ـ بعد مني الله يعفو عليك!