تشهد منطقة البحر المتوسط اليوم تحولاً عميقاً في ظل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث تتجاوز تداعياته البعد العسكري لتمس النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمعات المتوسطية بأكملها.
يكشف المؤرخ فلوريان لويس والباحث الاجتماعي مصطفى العمري، خلال لقاء فكري في مرسيليا، عن الأبعاد المتعددة لهذه القضية المعقدة. فالبحر المتوسط ليس مجرد رقعة شطرنج جيوسياسية، بل فسيفساء من الثقافات والحضارات المتداخلة، حيث تتشابك مصائر الشعوب وتتقاطع تطلعاتها.
تمثل القضية الفلسطينية اليوم مرآة تعكس الجراح التاريخية العميقة. فمن جهة، يرتبط اليهود بإسرائيل كملاذ بعد ثلاثة آلاف عام من الاضطهاد والتشرد. ومن جهة أخرى، يرى العرب والمسلمون في مأساة غزة استمراراً لتاريخ من الاستعمار والظلم الدولي.
لكن ما يزيد الوضع تعقيداً هو استغلال بعض الأنظمة السياسية للصراع لتحقيق مصالحها الخاصة. فالقضية الفلسطينية أصبحت ساحة تُسقط عليها المجتمعات مخاوفها وانقساماتها الداخلية، مما يعيق إيجاد حلول عملية للنزاع.
رغم هذا المشهد القاتم، تلوح في الأفق بوادر أمل. فاتفاقيات إبراهيم، على سبيل المثال، فتحت الباب أمام التواصل المباشر بين الشعوب الإسرائيلية والعربية. كما أن قرارات المحكمة الجنائية الدولية تؤسس لدور متزايد للعدالة الدولية في معالجة النزاع.
الحل يكمن في تجاوز العواطف والانفعالات نحو فهم أعمق للتعقيدات التاريخية والاجتماعية. فالمجتمعات المتوسطية، رغم جراحها، تمتلك القدرة على تجاوز الصراعات نحو مستقبل من التعايش والسلام.