يدّعي غيورا آيلند في مقالته التي كتبها تحت عنوان "حصار العدو ليس جريمة حرب"، أن "الحصار يُعتبر تكتيكاً عسكرياً مقبولاً ومصادَقاً عليه، بحسب القانون الدولي"، ويرفض موقف افتتاحية الصحيفة التي اعتبرت "خطة الجنرالات" خطة إجرامية.
وفعلاً، إن خطة آيلند هي فعلاً خطة إجرامية، وتُعتبر جريمة حرب، لأنها تستند إلى حصار سيؤدي إلى تجويع المجتمع المدني الذي لم يخرج من المنطقة التي فُرض الحصار عليها. هذا التجويع ممنوع، بحسب القانون الدولي، والإخلاء أيضاً، مثلما هو مخطط له، مخالف أيضاً لهذا القانون.
يعترف الجنرال آيلند بأنه ليس خبيراً في القانون الدولي، وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لا يمنعه من الإصرار، باستعلاء، على أن خطته قانونية. وهو يستند إلى الدليل العسكري الأميركي، وبحسبه، يقول إنه "خلال تحضير ما يُعرف بخطة الجنرالات، نسخت من الدليل الرسمي لجيش الولايات المتحدة، وتحديداً، الفصل الذي يتطرق إلى الحصار".
يبدو أن الجنرال آيلند لم يقرأ سوى جزء من الفصل في "الدليل" الذي يتطرق إلى الحصار. فلو تعمّق في بحثه، لكان سيصل أيضاً إلى الجزء التالي الذي ورد فيه أنه: "يُمنع اتخاذ خطوات عسكرية تهدف إلى تجويع قوات العدو، إذا كان من المتوقع أن تقود إلى ضرر جانبي بالمجتمع المدني، لا يتلاءم مع الإنجازات العسكرية التي من المتوقع تحقيقها".
إذاً، ما هو الهدف العسكري الذي يبرر تجويع المدنيين حتى الموت؟ بحسب آيلند، الهدف هو تفكيك "حماس" الذي لا يمكن أن يتم من دون احتلال المنطقة. لكن السؤال، هو كيف يمكن أن يؤدي احتلال المنطقة إلى منع العمليات العدائية من الأنفاق والأنقاض؟ يذهب جواب آيلند إلى الغيبيات: "إن الشرف والأرض هما القيمتان الوحيدتان اللتان تؤثران في القادة العرب". ومع كامل الاحترام لهذا التشخيص الاستعلائي، فمن غير الممكن التعامل معه كبديل من تعريف الهدف العسكري المحدد. ولم يتم تعريف هدف عسكري كهذا، وخاصة مع تصريحات الوزراء الكبار بشأن خطة السيطرة والبقاء الدائم؛ يمكن القول إن هناك تخوفاً من عدم وجود حاجة عسكرية شرعية، بل هناك أهداف سياسية غير شرعية.
لكن، من المهم القول: حتى لو كان هناك هدف سياسي ضروري يبرّر فرض حصار على المدنيين، وأن جزءاً منهم لا دخل له، ففي جميع الأحوال، لدى الجيش مسؤوليات تجاه هؤلاء المدنيين لا يجب التهرب منها. الدليل العسكري الأميركي يطالب الذين يخططون للحصار بأن يتخذوا، لدى تطبيقهم الخطة، "اعتبارات حذِرة ممكنة لتقليل الخطر على المدنيين، أو تخفيف العبء عن المدنيين".
وحسبما نُشر في الإعلام، فإن الاعتبار الحذر الوحيد الذي تتضمنه خطة الجنرالات هو الطلب من المدنيين المسجونين في شمال غزة النزوح عن منازلهم. وهنا تواجه الخطة عائقاً إضافياً، إذ يُمنع، في جميع الأحوال، تفعيل ضغوط على المدنيين للخروج من منازلهم، وإذا طُلب منهم القيام بذلك، فيجب أن يكون الدافع سلامتهم: يجب الإعلان مسبقاً أن الخروج موقت، وفي أثناء القتال فقط؛ ويجب السماح بحركة حرة من دون التفريق ما بين أفراد العائلة، ويجب أن يجري الإخلاء إلى مناطق تكون محمية، ويتم ضمان سلامتهم، وضمنها الغذاء والماء وظروف النظافة اللائقة والعلاج الطبي الأساسي.
لا تتضمن خطة الجنرالات أيّ شرط من هذه الشروط. فلا يوجد فيها أيّ التزام بشأن إعادة السكان فوراً، بعد انتهاء القتال، وأيضاً تفصل ما بين أفراد العائلة، ولا يوجد أيّ ضمانة من طرف إسرائيل بأن يحصلوا على ظروف حياة أساسية. وطبعاً، لا يوجد في الخطة أيّ استجابة لحالة الأشخاص الذين لا يستطيعون الإخلاء، مثل كبار السن والأطفال وذوي الحاجات الخاصة والمرضى. وبحسب القانون الدولي، يجب توفير الغذاء والحاجات الأساسية لمن يتبقى.
هذه المطالب ليست واردة فقط في الدليل الأميركي الذي يُعتبر "علامة فارقة" في القانون الدولي. بل جرى صوغ هذه المطالب عبر مجموعة من القرارات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بشأن الحرب في يوغوسلافيا، حين تمت إدانة ضباط بارتكابهم جرائم حرب بسبب خطط إخلاء شبيهة.
وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن خطة آيلند لم تحصل على دعم رسمي من الجهات ذات الصلاحية في الجيش ووزارة العدل، وهما المسؤولان عن تقيّد إسرائيل بمطالب القانون الدولي. إن صمتهما صارخ. لكن يمكن أن يُطلب منهما خرق هذا الصمت، كما نتوقع منهما ألّا يكتفيا بعدم المصادقة على الخطة فقط، بل إصدار بيان واضح بأن هذه الخطة لا ينفّذها الجيش، لأنها غير قانونية. هذا البيان مطلوب من أجل خفض التخوف من جرّ الجيش إلى تنفيذ الخطة من دون انتباه.
هذا البيان أيضاً مطلوب، لأنه كلما تعمّق تطبيق خطة آيلند، أو تنفيذها، أو مجرد تغلغُلها في المستوى التنفيذي، فإنها ستعزز كثيراً الادعاءات ضد إسرائيل، وضد رئيس الحكومة ووزير الدفاع، في الملفات المعلّقة ضدهم في لاهاي.
لا يوجد أيّ مبرر عسكري لجرائم الحرب التي يقترحها غيورا آيلند
أضيف بتاريخ 11/05/2024
هآرتس| إيال بنفينيستي