في كتابه الجديد "نيكسوس"، يطرح المؤرخ والمفكر الشهير يوفال نوح هراري سؤالاً جوهرياً: إذا كان البشر أذكياء للغاية، فلماذا نتصرف بغباء شديد؟ يرى الكاتب الإسرائيلي أن المشكلة لا تكمن في الطبيعة البشرية، بل في نوعية المعلومات التي نتلقاها. فعندما يتم تزويد الأفراد الصالحين بمعلومات رديئة، فإنهم يتخذون قرارات سيئة بالضرورة.
يلفت صاحب "سابينز" الانتباه إلى أن المجتمعات المعاصرة عرضة للأوهام الجماعية والهذيان بنفس قدر قبائل العصر الحجري. ويحذر من أن الذكاء الاصطناعي يمثل أكثر شبكات المعلومات تعقيداً وعدم قابلية للتنبؤ على الإطلاق. فالعالم الذي سيشكله هذا الذكاء الجديد سيكون مختلفاً جذرياً، مما سيؤدي إلى ظهور هويات وأساليب وجود غير مسبوقة.
يستشهد المؤلف بمثال لعبة الجو، حيث تمكن برنامج ألفا جو من التغلب على بطل العالم البشري في عام 2016 باستخدام استراتيجية لم يسبق للبشر التفكير فيها. ويتوقع حدوث ظاهرة مماثلة في مجالات أخرى مثل التمويل، حيث قد يبتكر الذكاء الاصطناعي أدوات مالية جديدة تتجاوز الخيال البشري.
ينبه عالم المستقبليات إلى أن الديمقراطية قد تواجه خطراً وجودياً إذا أصبحت القرارات الأساسية في حياتنا غير قابلة للفهم من قبل البشر. فالديمقراطية تعتمد على المساءلة، والتي تتطلب بدورها القدرة على استيعاب عملية صنع القرار. ويشير إلى أن التطور الرقمي يفوق سرعة التطور العضوي بملايين المرات، مما يجعل التنبؤ بمستقبل الذكاء الاصطناعي أمراً بالغ الصعوبة.
يؤكد الباحث أن الديمقراطية تقوم على أساس تكنولوجيا المعلومات، وأن كل تحول جوهري في هذه التكنولوجيا يؤدي إلى زلزال في البنية الديمقراطية. ويرى أن السؤال المحوري يتمحور حول قدرة الديمقراطية على التكيف مع هذه التغيرات الجذرية.
يقترح المفكر الإسرائيلي عدة تدابير لحماية النظم الديمقراطية في عصر الذكاء الاصطناعي. أولاً، ضرورة مساءلة الشركات عن تصرفات خوارزمياتها. ثانياً، منع مشاركة الروبوتات في المحادثات البشرية ما لم تعرف عن نفسها كذكاء اصطناعي. وأخيراً، الحفاظ على حرية التعبير كحق حصري للبشر.
في الختام، يشدد صاحب "العاقل" على أن مصير الديمقراطية في حقبة الذكاء الاصطناعي يعتمد على قراراتنا وقدرتنا على التأقلم مع هذه التحولات التكنولوجية الهائلة.