يجب على التُّونسيِّين إسماع صوتهم والدِّفاع عن الحرِّيَّات الأساسيَّة

أضيف بتاريخ 10/07/2024
محمَّد صلاح بن ع - عبر البريد الدولي

تجد بلادنا ، الَّتي غالبًا ما يشار إليها على أنَّها مهَّد " الرَّبيع العربيُّ " ، نفسها اليوم عند مفترق طرق حاسم في تاريخها مع اقتراب الانتخابات الرِّئاسيَّة ، تتدهور الحرِّيَّات الأساسيَّة والمناخ الدِّيمقراطيُّ بوتيرة مقلقة ، ممَّا يثير شبح العودة إلى الاستبداد .



تواجه المجتمع التُّونسيَّ أزمةً اقتصاديَّةً غير مسبوقة ، حيث تعيش على إيقاع النَّقص والبطالة والقرارات العبثيَّة للرَّئيس المفرط في السُّلطة . تنظيم الانتخابات المقبلة يتميَّز بسلسلة من القرارات المثيرة للجدل ، الَّتي تهدِّد نزاهة العمليَّة الانتخابيَّة . هذه الانتخابات ، على أقلِّ تقدير ، لا تلتزم بأيّ من معايير الشَّفافيَّة والعدل .

يشير التَّلاعب في الجدول الزَّمنيِّ للانتخابات \ [ الَّذي تمَّ الكشف عنه في 4 يوليو \ ] والدَّعوة المتأخِّرة للنَّاخبين إلى رغبة واضحة في إزالة أيِّ منافسة حقيقيَّة . المتطلَّبات المفروضة على المرشَّحين ، ولا سينما جمع 10,000 توقيع \ [ من النَّاخبين المسجَّلين في القوائم الانتخابيَّة الموزِّعين في 10 دوائر انتخابيَّة على الأقلِّ ، ويجب أن تحتوي كلُّ دائرة على 500 ناخب على الأقلِّ \ ] في وقت قصير ، تشكِّل عقبات أمام تنفيذ حملة انتخابيَّة عادلة .

يبدو أنَّ الطُّرق المحيطة بجمع هذه التَّوقيعات قد تمَّ تصميمها كفخّ ، ممَّا يسمح للسُّلطات بجرِّ جميع المرشَّحين إلى المحاكم ، باستثناء الرَّئيس الحاليِّ بتهم التَّزوير واستخدام التَّزوير \ [ آخر مثال ، تمَّ الحكم على المرشَّح عيَّاشي زامل في 25 سبتمبر بالسَّجن ستَّة أشهر بتهمة تزوير الوثائق وتزوير التَّأييدات \ ] .

عدم ذكر جولة ثانية في العمليَّة الانتخابيَّة لا يزيد إلَّا من الشُّكوك حول صدق نيَّات الإدارة الحاليَّة ، في حين أنَّ النِّقاشات بين المرشَّحين غائبةً تمامًا . لم يعد أحد يعتقد في شرعيَّة هذه العمليَّة .

المرشَّحون المسجونون

تعدّ قضيَّة السُّجناء السِّياسيِّين ، الَّتي غالبًا ما يتمُّ إهمالها ، أحد الجوانب الأكثر إثارةً للقلق في الوضع الحاليِّ يثير العدد المتزايد من الشَّخصيَّات المسجونة أو المنفيَّة قلقًا كبيرًا . لا يتعلَّق الأمر ببعض الأفراد فقط ، بل هناك العشرات من القادة السِّياسيِّين والنُّشطاء والمثقَّفين من جميع الاتِّجاهات الَّذين يجدون أنفسهم في هذه المأساة .

بمجرَّد إعلان التَّرشيح ، تنطلق الملاحقات القضائيَّة ضدَّ المرشَّح حتَّى في مدَّة الهدنة القضائيَّة \ في يوليو ، تمَّ اعتقال لطفي المرايحي ، رئيس الاتِّحاد الشَّعبيِّ الجمهوريِّ ، بمجرَّد أنَّ أعلن ترشيحه . وفي نفس التَّاريخ ، استدعي الوزير السَّابق عبد اللَّطيف المكِّي ، وهو أيضًا مرشَّح ، من قبل القضاء أدَّى هذا الاستبعاد للشَّخصيَّات البارزة ليس فقط إلى حرمان السُّكَّان من النِّقاشات الغنيَّة ، بل أيضًا إلى الإضرار بشدَّة بشرعيَّة العمليَّة الانتخابيَّة بأكملها .

تصاعدت عدم التَّسامح من قبل السُّلطات ، ممَّا يكشف عن عقليَّة تعتبر أنَّ الأحكام التَّقييديَّة للدُّستور ، الَّتي صمَّمها الرَّئيس نفسه ، غير كافية . القرارات الأخيرة للمحكمة الإداريَّة ، الَّتي فرضت على الهيئة العليا المستقلَّة للانتخابات ( ISIE ) إعادة دمج المرشَّحين الَّذين رفضت ملفَّاتهم ، ورفض الأخيرة تنفيذ هذه القرارات ، - غير مسبوقة - .

التَّعبئة والتَّضامن

هذا صراع بين المؤسَّسات يعكس حالة التَّدهور للمؤسَّسات والمناخ منِّياك وعدم اليقين الَّذي يسود حاليًّا . في هذا السِّياق ، يبدو أنَّ الرَّغبة في القضاء على فصل السُّلطات قد نجحت ، والدَّليل أنَّ مجلس نوَّاب الشَّعب يستعدُّ لتعديل القوانين الانتخابيَّة على نحو متسرِّع تقريبًا عشيَّة الانتخابات 

في مواجهة هذه التَّهديدات ، تظهر التَّعبئة المدنيَّة النَّشطة كالحلِّ الوحيد القابل للتَّطبيق . أثبتت التَّجربة الأخيرة في تونس أنَّ الحركات الشَّعبيَّة يمكن أن تؤثِّر بشكل كبير على مسار الأحداث . على كلِّ مواطن أن يلعب دورًا ، والتَّضامن بين القوى الدِّيمقراطيَّة المختلفة ضروريّ لمواجهة الانحرافات الاستبداديَّة . لم يعد للانقسام مكان .

النَّهضة الدِّيمقراطيَّة

يلعب الشَّباب ، بشكل خاصّ ، دورًا رئيسيًّا في هذه الدِّيناميكيَّة . من خلال المشاركة الفعَّالة في العمليَّة الانتخابيَّة والنِّقاشات المدنيَّة ، يمكنهم أن يكونوا عاملاً حاسمًا في إحياء الدِّيمقراطيَّة التُّونسيَّة .

من الضَّروريِّ أيضًا أن تعي المجتمع الدَّوليَّ الوضع وتقدَّم دعمها للطُّموحات الدِّيمقراطيَّة للشَّعب التُّونسيِّ . من الضَّروريِّ أن يشارك التُّونسيُّون ، بمن فيهم المغتربين ، في هذه المعركة لإسماع أصواتهم والدِّفاع عن الحرِّيَّات الأساسيَّة . دور الإعلام والمنظَّمات المدنيَّة ضروريّ لضمان الشَّفافيَّة والسَّلامة في العمليَّة الانتخابيَّة .

التَّجربة الدِّيمقراطيَّة ليست خطِّيَّةً أبدًا ؛ من خلال الالتزام المدنيِّ والنِّضال من أجل العدالة الاجتماعيَّة ، يمكن لتونس أن تأمل في تحقيق نهضة ديمقراطيَّة حقيقيَّة ، مبشِّرةً بالأمل للجميع .